کد مطلب:282996 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:253

اختلاف الاَحادیث فی نسب الاِمام المهدی
اختلفت الاَحادیث الواردة بكتب الفریقین اختلافاً ظاهریاً فی بیان نسب الاِمام المهـدیّ علیه السلام، ولكن لا یعـنی هذا الاختـلاف ـ مع لحـاظ التقیـید والاِطلاق ـ عدم الائتلاف فیما بینها، إذ بالاِمكان الجمع بینها بأحد الوجوه المنصوص علیها فی باب تعارض الخبرین إذا سلمت أسانیدها من كلّ طعن وشین، وتعادلت كفّتها مع الاَحادیث الاَُخری المصرّحة بأنّه من وُلْد الاِمام الحسـین علیه السلام.

والملاحـظ علی الاَحادیث المبیّنة لنسـب الاِمام المهدیّ أنّها تكاد تنحصر ـ من حیث الصحّة ـ بأنّه قرشیٌّ، هاشمیٌّ، علویٌّ، حسینیٌّ، مع تفریعات أُخری لا تحمل تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً یذكر، إذ نصَّ بعضها علی أنّه من قریش.

وبعضها علی أنّه من بنی هاشم.

وبعض آخر علی أنّه من أولاد عبـد المطّلب.

وهذه الطوائف الثلاث لا اختلاف بینها ولا تعارض أصلاً؛ لاَنّ أولاد عبـد المطّلب هم من بنی هاشم، وبنو هاشم من قریش، و كلّ واحد من أولاد عبـد المطّلب له أْن یقول: أنا هاشمیٌّ قرشیّ.

ولمّا كانت قبیلة قریش ینتسب إلیها الهاشمیّون وغیرهم، وبنو هاشم أنفسهم كثرٌ، فیكون ذِكر كون المهدیّ من أولاد عبـد المطّلب مقیّداً لِما قبله من إطلاق، والمطلق یحمل علی المقیّد بالاتّفاق، فالنتیجة إذاً: إنّه من أولاد عبـد المطّلب.

وبعضها نصَّ علی أنّه من أولاد أبی طالب.



[ صفحه 18]



وفی بعض آخر أنّه من أولاد العبّاس.

وظاهر أحادیث الطائفتین التعارض والاختلاف، اللّهمّ إلاّ أنْ یقال ـ من باب التسلیم بصحّة أحادیث الطائفتین ـ: إنّ أُمّ المهدیّ عبّاسیّة، وأباه من أولاد أبی طالب، وبهذا یرتفع التعارض والاختلاف.

ولكن سیأتی ـ إن شاء الله تعالی ـ وبشكل مفصّل أنّ جمیع أحادیث كون المهدیّ من وُلْد العبّاس إمّا ضعیفة أو موضوعة، بما لا نحتاج معها إلی عملیة الجمع المتقدّمة؛ لاَنّها جمع بین الضعیف أو الموضوع من جهة، وبین الصحیح الثابت من جهة أُخری، وعلی هذا فیبقی المهدیّ من أولاد أبی طالب ـ فی هذه الطائفة ـ بلا معارض.

وفی طائفة أُخری من الاَحادیث التصریح بأنّه من آل محمّـد صلی الله علیه وآله وسلم.

وفی طائفة أیضاً أنّه من أهل بیت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

وفی أُخری أنّه من عترة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم.

وفی هذه الطوائف الثلاث لا یوجد أدنی تعارض أو اختلاف، لاَنّ (الآل) و (العترة) هم (الاَهل) كما صرّح به أقطاب اللغة.

قال ابن منظور: «وآل الله، وآل رسوله، أولیاؤه، أصلها (أهل) ثمّ أُبدلت الهاء همزة، فصارت فی التقدیر (أأل)، فلمّا توالت الهمزتان أبدلوا الثانیة ألفاً». [1] .

كما صرّح فی لسان العرب بأنّ (العترة) هم (أهل البیت) مستدلاًّ بحدیث: «إنّی تارك فیكم الثقلین: كتاب الله، وعترتی أهل بیتی» قال: «فجعل العترة أهل البیت». [2] .



[ صفحه 19]



وإذا علمنا بأنّ علیّـاً أمیر المؤمنین علیه السلام هو من أهل البیت بالاتّفاق، ویؤیّده حدیث الكساء المشهور عند سائر المحدِّثین: «اللّهمّ هؤلاء أهل بیتی» تبیّن لنا وبوضوح كیف أنّ الرسول الاَعظم صلی الله علیه وآله وسلم قد وضع النقاط علی الحروف فی تشخیص نسـب المهدیّ كما صرّحت به طائفة جدیدة من الاَحـادیث.

ومفاد هذه الطائفة، أنّه من أولاد علیٍّ علیه السلام.

ولمّا كان أمیر المؤمنین علیه السلام قد أعقب من سیّدة النساء سبطی هذه الاَُمّة، كما أعقب من غیرها بعد وفاتها علیها السلام ذكوراً، لذا جاءت طائفة أُخری من الاَحادیث لتبیّن للناس جمیعاً أنّ المهدیّ الموعود به فی آخر الزمان إنّما هو من أولاد سیّدة النساء فاطمة الزهراء علیها السلام.

ولا شـكّ فی أنّ الاَحـادیث التی تنصّ علی كونه من أولاد فاطمـة الزهراء علیها السلام تقیِّد ما قبلها جمیعاً، فتحمل علیها. [3] .

وقد جُمعت هذه الطوائف من الاَحادیث فی حدیث واحد وهو الحدیث المرویّ عن قتادة، قال: قلت لسعید بن المسیّب: «المهدیّ حقٌّ هو؟ قال: نعم، قال: قلت: ممّن هو؟ قال: من قریش، قلت: من أیّ قریش؟ قال: من بنی هاشم، قلت: من أیّ بنی هاشم؟ قال: من بنی عبـد المطّلب، قلت: من أیّ بنی عبـد المطلب؟ قال: من وُلْد فاطمة». [4] .

وقد أخرج هذا الحدیث ابن المنادی، عن سعید بن المسیّب مسنداً إلی أُمّ سلمة، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، باختلاف یسیر. [5] .



[ صفحه 20]



وفی فتن زكریّا ـ علی ما فی ملاحم ابن طاووس ـ رواه مسنداً عن ابن المسیّب. [6] .

ورواه فی «عقد الدرر» كما فی روایة ابن المنادی، ثمّ قال: «أخرجه الاِمام أبو الحسین أحمد بن جعفر المنادی، وأخرجه الاِمام أبو عبـدالله نعیم ابن حمّـاد. [7] .

هـذا، وقد أخرج الحدیث غیر أُولئك أیضاً. [8] .

علی أنّ حدیث: «المهدیّ حقٌّ، وهو من وُلْد فاطمة» قد سُجِّل فی أربعة وثمانین مصدراً مهمّاً من مصادر الفریقین، أمّا مصادر أهل السُـنّة وحدهم فقد وصلت إلی ستّة وخمسین مصدراً، وما تبقّی من العدد المذكور فهو من مصادر الشیعة الاِمامیة، كما هو مفصّل فی معجم أحادیث الاِمام المهدیّ علیه السلام. [9] .

وقد لفت نظری أنّ أربعة من علماء أهل السُـنّة الّذین أخرجوا الحدیث الشریف، قد أشاروا صراحة إلی وجوده فی صحیح الاِمام مسلم، وهم:

1 ـ ابن حجر الهیتمی (ت 974 هـ) فی الصواعق المحرقة، الباب 11، ص 163.

2 ـ المتّقی الهندی (ت 975 هـ) فی كنز العمّال 14: 264 ح 38662.

3 ـ الشیخ محمّـد بن علی الصبّان (ت 1206 هـ) فی إسعاف الراغبین، ص 145.



[ صفحه 21]



4 ـ الشیخ حسن العدوی الحمزاوی المالكی (ت 1303 هـ) فی مشارق الاَنوار، ص 112.

وللاَسف الشدید أنّی لم أعثر علی هذا الحدیث فی صحیح مسلم بثلاث طبعات!

ولا بأس هنا أْن نسجّل بعض من صرّح بصحّـته:

منهم: البغوی فی «مصابیح السُـنّة» حیث عدّه فی فصل الحسان [10] ، وصحّحه القرطبی المالكی فی التذكرة [11] نقلاً عن الحاكم النیسابوری، وكذلك السیوطی فی الحاوی للفتاوی [12] ، والجامع الصغیر. [13] .

ومنهم من احتجّ به وقال بصحّته، كابن حجر الهیتمی فی «الصواعق المحرقة» الفصل الاَوّل من الباب الحادی عشر. [14] .

ومنهم من قال بتواتره صراحة، كالبرزنجی فی «الاِشاعة» قال: «أحادیث وجود المهدیّ، وخروجه آخر الزمان، وأنّه من عترة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، من وُلْد فاطمة علیها السلام، بلغت حدّ التواتر». [15] .

ومنهم من قطع بصحّته، كالشیخ أحمد زینی دحلان مفتی الشافعیة، قال: «المقطوع به أنّه لا بُـدّ من ظهوره وأنّه من وُلْد فاطمة». [16] .

وقال الشیخ الصبّان فی بیان المزایا التی اختصّ بها أهل البیت علیهم السلام



[ صفحه 22]



ـ وقد ذكر الكثیر منها ـ: «ومنها: أنّ منهم مهدیّ آخر الزمان، وأخرج مسلم، وأبو داود، والنسائی، وابن ماجة، والبیهقی، وآخرون: (المهدیّ من عترتی من وُلْد فاطمة)». [17] .

فالنتیجة المتّفق علیها بین أهل السُـنّة والشیعة الاِمامیة ـ إلی هنا ـ هو كون الاِمام المهدیّ علیه السلام من وُلْد فاطمة الزهراء علیها السلام.

إذن فلنضع أیدینا علی هذه النتیجة المهمّة، ثمّ ندعها قلیلاً ونعود إلیها ریثما یتمّ الفراغ من مناقشة بعض طوائف أحادیث المهدیّ الاَُخری، وعلی النحو التالی:



[ صفحه 23]




[1] لسان العرب 1: 253 مادّة «أهل».

[2] لسان العرب 9: 34 مادّة «عتر».

[3] في انتظار الاِمام: 17.

[4] الفتن لابن حمّاد ـ: 101، نقلاً عن معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1: 154 رقم 81.

[5] الملاحم والفتن ـ لابن المنادي ـ: 41، نقلاً عن معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1: 154 رقم 81.

1: 154 رقم 81.

[6] الملاحم ـ لابن طاووس ـ: 164 باب 19.

[7] عقد الدرر: 23 باب 1.

[8] راجع: الحاوي للفتاوي 2: 74، والبرهان في علامات مهديّ آخر الزمان: 95 رقم 20 باب 2.

[9] معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1: 136 رقم 74.

[10] مصابيح السُـنّة: 492 رقم 4211.

[11] التذكرة: 701.

[12] الحاوي للفتاوي 2: 85.

[13] الجامع الصغير 2: 672 رقم 9241.

[14] الصواعق المحرقة: 162 و 165 و 166.

[15] الاِشاعة في أشراط الساعة: 87.

[16] الفتوحات الاِسلامية 2: 211.

[17] إسعاف الراغبين: 45.